واقعية التربيه بالاسلام
صفحة 1 من اصل 1
واقعية التربيه بالاسلام
من خصائص التربية في السنة النبوية أنها تربية واقعية ، بمعنى أنها قابلة للتحقق في أرض الواقع ، فالتربية النبوية ليست نظرية عقلية منشؤها خيال جامح ، ولكنها منهج وثيق الصلة بالواقع البشري ، كما أنها ليست قوالب نظرية سرعان ما تتحطم على أرض الواقع ، وليست مثلا وجدانيا تدركه الأشواق ، وتقصر دونه الأعمال ، بل هي منهج ينزل إلى أرض الواقع ويعالج هذا الواقع ، انطلاقا من طبيعته وظروفه ومعطياته .
وقد جاء المنهج الإسلامي التربوي واقعيا في كل شيء ، في أحكامه وتكاليفه ، وفي نظرته إلى المكلف ، وفي نظرته إلى الحياة والتعامل معها ، وفي حلوله الإصلاحية .
فلو أخذنا مثلا :
أولا / واقعية العبادة:
فإننا نجد الإسلام قد جاء واقعيا في شعائره التعبدية من نواح عدة :
1ـ كونها في دائرة الوسع والطاقة . فجميع الشعائر التعبدية التي فرضها الله على عباده ممكنة غير مستحيلة،لا تضيق على الناس،ولا ترهقهم من أمرهم عسرا . قال تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) وقال سبحانه وتعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ).
وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا ، وقاربوا ، وأبشروا ... .
وأخرج الطبراني عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ بِبَيْتِ عُثْمَانَ بن مَظْعُونٍ، فَقَامَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ، فَقَالَ:"مَالَكِ يَا كُحَيْلَةُ مُبْتَذِلَةً، أَلَيْسَ عُثْمَانُ شَاهِدًا؟"قَالَتْ: بَلَى وَمَا اضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِي مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، وَيَصُومُ الدَّهْرَ فَمَا يُفْطِرُ، فَقَالَ:"مُرِيهِ أَنْ يَأْتِيَنِي"، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَتْ لَهُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ بَلَغَكَ عَنِّي أَمْرٌ، قَالَ:"أَنْتَ الَّذِي تَصُومُ الدَّهْرَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ لا تَضَعُ جَنْبَكَ عَلَى فِرَاشٍ؟"قَالَ عُثْمَانُ: قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ أَلْتَمِسُ الْخَيْرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لِعَيْنِكَ حَظٌّ، وَلِجَسَدِكَ حَظٌّ، وَلِزَوْجِكَ حَظٌّ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ، وَائْتِ زَوْجَكَ، فَإِنِّي أَنَا أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَنَامُ وَأَقُومُ، وَآتِي النِّسَاءَ، فَمَنْ أَخَذَ بِسُنَّتِي فَقَدِ اهْتَدَى، وَمَنْ تَرَكَهَا ضَلَّ، فَإِنَّ لِكُلِّ عَمِلٍ شِرَّةٌ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَإِذَا كَانَتِ الْفَتْرَةُ إِلَى الْغَفْلَةِ فَهِي الْهَلَكَةُ، وَإِذَا كَانَتِ الْغَفْلَةُ إِلَى الْفَرِيضَةِ، لا يَضُرُّ صَاحِبَهَا شَيْئًا، فَخُذْ مِنَ الْعَمَلِ بِمَا تُطِيقُ، وَإِنِّي إِنَّمَا بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ، فَلا تَثْقِلْ عَلَيْكَ عِبَادَةَ رَبِّكَ ).
2 ـ استيعابها لجزء يسير من وقت الإنسان . فشعائر العبادة لا تستغرق جميع أوقات الإنسان ، فتشغله عن تحصيل رزقه والسعي لكسب قوته والضرب في الأرض ، وممارسة جميع ألوان النشاط الإنساني التي هي في نظر الإسلام أيضا عبادة .
3 ـ مراعاتها للظروف الخاصة والأحوال الطارئة . وذلك كالمرض والشيخوخة والسفر والإكراه وغير ذلك . وقد جاءت رخص الإسلام الشرعية في هذه الأحوال بردا وسلاما ، ترفع عن الناس الإصر والحرج ، وتشعرهم بواسع رحمة الله ، ويسر هذا الدين الحنيف .
4 ـ توافقها مع الفطرة الإنسانية : ( فقد عرف الإسلام طبيعة الملل في الإنسان فنوّع العبادات ولوّنها ، بين عبادات بدنية كالصلاة والصوم ، وأخرى مالية كالزكاة والصدقات ، وثالثة تجمع بينهما كالحج والعمرة ، وجعل بعضها يوميا كالصلاة ، وبعضها سنويا أو موسميا كالصيام والزكاة ، وبعضها مرة في العمر كالحج المفروض ، ثم فتح باب التطوع لمن أراد مزيد القرب من الله )
ثانيا/ واقعية النظرة إلى المكلف:ينظر المنهج الإسلامي إلى المكلف نظرة واقعية لا إفراط فيها ولا تفريط ، فلا غلو في شخصه ولو كان نبيا مرسلا ، ولا تحقير لدوره الذي ناطه الله به ، ومهمته التي أمره الله بأدائها .
وتتمثل واقعية النظرة إلى المكلف من عدة جوانب :
الجانب الأول: مراعاة الطبيعة البشرية ، فالإنسان مخلوق من مادة طينية ومن نفخة ربانية قال تعالى : (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين . فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ).
ولذلك فقد راعى المنهج الإسلامي الجمع بين المادية والروحية وتعامل مع الإنسان كما هو : لحما ودما ، وفكرا وشعورا ، وانفعالا ونزوعا ، وروحا وتحليقا حتي يتوافق ذلك مع طبيعة الإنسان
عن أنس ، قال : قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا إذا كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم رأينا من أنفسنا ما نحب، فإذا رجعنا إلى أهالينا فخالطناهم، أنكرنا أنفسنا فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تدومون على ما تكونون عندي في الحال،لصافحتكم الملائكة حتى تظلكم بأجنحتها ولكن ساعة وساعة ).
وهذا حنظلة صحابي جليل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي أنه يكون مع أسرته وأهله في حال تغاير الحال التي يكون عليها مع النبي صلى الله عليه وسلم ، من حيث الصفاء والشفافية والشعور بخشية الله تعالى ومراقبته . فرأى هذا لونا من النفاق ، وخرج يعدو في الطريق وهو يقول عن نفسه : نافق حنظلة ، حتى انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وشرح له ما يحس به من تباين حاله عنده عن حاله في البيت ، فأجابه الرسول بقوله ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْكم لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ).
وعلى هذه الحياة الواقعية المتوازنة يربي الإسلام المسلم ، فلا يدعه بغرق في اللهو إلى رأسه ، فلا يبقى له شيء لربه ، كما لا يدعه يغلو في التعبد فلا يبقى له شيء لقلبه .
الجانب الثاني: مراعاة الفروق النوعية بين المكلفين ، فهناك الذكر والأنثى وليس الذكر كالأنثى )، ولذلك جاءت تكليفات الإسلام لكل نوع بما يتلائم مع تركيبه العضوي والنفسي ، وبما يتماشى مع وظيفته التي جعلها الله تعالى له، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ قَالَ ( عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لاَ قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ).
وعن مجاهد، قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله: تغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث! فنزلت:"ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيبٌ مما اكتَسَبوا وللنساء نصيبٌ مما اكتسبن"، ونزلت إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ) [سورة الأحزاب: 35].
وحول واقعية المنهج الإسلامي في النظرة إلى المكلف والتعامل معه يقول الأستاذ سيد قطب : " إن الإنسان في التصور الإسلامي هو هذا الإنسان الذي نعهده ، هذا الإنسان بقوته وضعفه ، بنوازعه وأشواقه ، بلحمه ودمه وأعصابه ، بجسمه وعقله وروحه ، إنه ليس الإنسان الذي يصوره الخيال الجامح ، إنه الإنسان الذي خلقه الله ليستخلفه في هذه الأرض.
إنه الإنسان الواقعي .. ومن ثم فإن المنهج الذي يرسمه له الإسلام منهج واقعي كذلك،تنطبق حدوده على حدود طاقات الإنسان وتكوينه.
والمنهج الإسلامي للحياة ـ على كل رفعته ونظافته ومثاليته ـ هو في الوقت ذاته منهج لهذا الإنسان ـ في حدود طاقته الواقعية ـ ونظام لحياة هذا الكائن البشري الذي يعيش على هذه الأرض يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، ويتزوج ويتناسل،ويحب ويكره ، ويرجو ويخاف ، ويزاول كل خصائص الإنسان الواقعي كما خلقه الله.
والمنهج الإسلامي يأخذ في اعتباره فطرة هذا الإنسان،وطاقاته واستعداداته وفضائله ورذائله ، وقوته وضعفه ، فلا يسوء ظنه بهذا الكائن ولا يحتقر دوره في الأرض ، ولا يهدر قيمته ، كما أنه لا يرفع هذا الإنسان إلى مقام الألوهية ، ولا يخلع عليه شيئا من خصائصها .
كذلك لا يتصوره ملكا نورانيا شفافا لا يتلبس بمقتضيات التكوين المادي ، ومن ثم لا يستقذر دوافع فطرته ومقتضيات هذا التكوين الفطري .
ومع اعتبار المنهج الإسلامي لإنسانية الإنسان من جميع الوجوه فهو وحده الذي يملك أن يصل به إلى أرفع مستوى ، وأكمل وضع يبلغ إليه الإنسان في أي زمان وفي أي مكان".
يتبع
وقد جاء المنهج الإسلامي التربوي واقعيا في كل شيء ، في أحكامه وتكاليفه ، وفي نظرته إلى المكلف ، وفي نظرته إلى الحياة والتعامل معها ، وفي حلوله الإصلاحية .
فلو أخذنا مثلا :
أولا / واقعية العبادة:
فإننا نجد الإسلام قد جاء واقعيا في شعائره التعبدية من نواح عدة :
1ـ كونها في دائرة الوسع والطاقة . فجميع الشعائر التعبدية التي فرضها الله على عباده ممكنة غير مستحيلة،لا تضيق على الناس،ولا ترهقهم من أمرهم عسرا . قال تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) وقال سبحانه وتعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ).
وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا ، وقاربوا ، وأبشروا ... .
وأخرج الطبراني عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ بِبَيْتِ عُثْمَانَ بن مَظْعُونٍ، فَقَامَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ، فَقَالَ:"مَالَكِ يَا كُحَيْلَةُ مُبْتَذِلَةً، أَلَيْسَ عُثْمَانُ شَاهِدًا؟"قَالَتْ: بَلَى وَمَا اضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِي مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، وَيَصُومُ الدَّهْرَ فَمَا يُفْطِرُ، فَقَالَ:"مُرِيهِ أَنْ يَأْتِيَنِي"، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَتْ لَهُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ بَلَغَكَ عَنِّي أَمْرٌ، قَالَ:"أَنْتَ الَّذِي تَصُومُ الدَّهْرَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ لا تَضَعُ جَنْبَكَ عَلَى فِرَاشٍ؟"قَالَ عُثْمَانُ: قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ أَلْتَمِسُ الْخَيْرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لِعَيْنِكَ حَظٌّ، وَلِجَسَدِكَ حَظٌّ، وَلِزَوْجِكَ حَظٌّ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ، وَائْتِ زَوْجَكَ، فَإِنِّي أَنَا أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَنَامُ وَأَقُومُ، وَآتِي النِّسَاءَ، فَمَنْ أَخَذَ بِسُنَّتِي فَقَدِ اهْتَدَى، وَمَنْ تَرَكَهَا ضَلَّ، فَإِنَّ لِكُلِّ عَمِلٍ شِرَّةٌ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَإِذَا كَانَتِ الْفَتْرَةُ إِلَى الْغَفْلَةِ فَهِي الْهَلَكَةُ، وَإِذَا كَانَتِ الْغَفْلَةُ إِلَى الْفَرِيضَةِ، لا يَضُرُّ صَاحِبَهَا شَيْئًا، فَخُذْ مِنَ الْعَمَلِ بِمَا تُطِيقُ، وَإِنِّي إِنَّمَا بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ، فَلا تَثْقِلْ عَلَيْكَ عِبَادَةَ رَبِّكَ ).
2 ـ استيعابها لجزء يسير من وقت الإنسان . فشعائر العبادة لا تستغرق جميع أوقات الإنسان ، فتشغله عن تحصيل رزقه والسعي لكسب قوته والضرب في الأرض ، وممارسة جميع ألوان النشاط الإنساني التي هي في نظر الإسلام أيضا عبادة .
3 ـ مراعاتها للظروف الخاصة والأحوال الطارئة . وذلك كالمرض والشيخوخة والسفر والإكراه وغير ذلك . وقد جاءت رخص الإسلام الشرعية في هذه الأحوال بردا وسلاما ، ترفع عن الناس الإصر والحرج ، وتشعرهم بواسع رحمة الله ، ويسر هذا الدين الحنيف .
4 ـ توافقها مع الفطرة الإنسانية : ( فقد عرف الإسلام طبيعة الملل في الإنسان فنوّع العبادات ولوّنها ، بين عبادات بدنية كالصلاة والصوم ، وأخرى مالية كالزكاة والصدقات ، وثالثة تجمع بينهما كالحج والعمرة ، وجعل بعضها يوميا كالصلاة ، وبعضها سنويا أو موسميا كالصيام والزكاة ، وبعضها مرة في العمر كالحج المفروض ، ثم فتح باب التطوع لمن أراد مزيد القرب من الله )
ثانيا/ واقعية النظرة إلى المكلف:ينظر المنهج الإسلامي إلى المكلف نظرة واقعية لا إفراط فيها ولا تفريط ، فلا غلو في شخصه ولو كان نبيا مرسلا ، ولا تحقير لدوره الذي ناطه الله به ، ومهمته التي أمره الله بأدائها .
وتتمثل واقعية النظرة إلى المكلف من عدة جوانب :
الجانب الأول: مراعاة الطبيعة البشرية ، فالإنسان مخلوق من مادة طينية ومن نفخة ربانية قال تعالى : (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين . فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ).
ولذلك فقد راعى المنهج الإسلامي الجمع بين المادية والروحية وتعامل مع الإنسان كما هو : لحما ودما ، وفكرا وشعورا ، وانفعالا ونزوعا ، وروحا وتحليقا حتي يتوافق ذلك مع طبيعة الإنسان
عن أنس ، قال : قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا إذا كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم رأينا من أنفسنا ما نحب، فإذا رجعنا إلى أهالينا فخالطناهم، أنكرنا أنفسنا فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تدومون على ما تكونون عندي في الحال،لصافحتكم الملائكة حتى تظلكم بأجنحتها ولكن ساعة وساعة ).
وهذا حنظلة صحابي جليل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي أنه يكون مع أسرته وأهله في حال تغاير الحال التي يكون عليها مع النبي صلى الله عليه وسلم ، من حيث الصفاء والشفافية والشعور بخشية الله تعالى ومراقبته . فرأى هذا لونا من النفاق ، وخرج يعدو في الطريق وهو يقول عن نفسه : نافق حنظلة ، حتى انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وشرح له ما يحس به من تباين حاله عنده عن حاله في البيت ، فأجابه الرسول بقوله ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْكم لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ).
وعلى هذه الحياة الواقعية المتوازنة يربي الإسلام المسلم ، فلا يدعه بغرق في اللهو إلى رأسه ، فلا يبقى له شيء لربه ، كما لا يدعه يغلو في التعبد فلا يبقى له شيء لقلبه .
الجانب الثاني: مراعاة الفروق النوعية بين المكلفين ، فهناك الذكر والأنثى وليس الذكر كالأنثى )، ولذلك جاءت تكليفات الإسلام لكل نوع بما يتلائم مع تركيبه العضوي والنفسي ، وبما يتماشى مع وظيفته التي جعلها الله تعالى له، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ قَالَ ( عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لاَ قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ).
وعن مجاهد، قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله: تغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث! فنزلت:"ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيبٌ مما اكتَسَبوا وللنساء نصيبٌ مما اكتسبن"، ونزلت إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ) [سورة الأحزاب: 35].
وحول واقعية المنهج الإسلامي في النظرة إلى المكلف والتعامل معه يقول الأستاذ سيد قطب : " إن الإنسان في التصور الإسلامي هو هذا الإنسان الذي نعهده ، هذا الإنسان بقوته وضعفه ، بنوازعه وأشواقه ، بلحمه ودمه وأعصابه ، بجسمه وعقله وروحه ، إنه ليس الإنسان الذي يصوره الخيال الجامح ، إنه الإنسان الذي خلقه الله ليستخلفه في هذه الأرض.
إنه الإنسان الواقعي .. ومن ثم فإن المنهج الذي يرسمه له الإسلام منهج واقعي كذلك،تنطبق حدوده على حدود طاقات الإنسان وتكوينه.
والمنهج الإسلامي للحياة ـ على كل رفعته ونظافته ومثاليته ـ هو في الوقت ذاته منهج لهذا الإنسان ـ في حدود طاقته الواقعية ـ ونظام لحياة هذا الكائن البشري الذي يعيش على هذه الأرض يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، ويتزوج ويتناسل،ويحب ويكره ، ويرجو ويخاف ، ويزاول كل خصائص الإنسان الواقعي كما خلقه الله.
والمنهج الإسلامي يأخذ في اعتباره فطرة هذا الإنسان،وطاقاته واستعداداته وفضائله ورذائله ، وقوته وضعفه ، فلا يسوء ظنه بهذا الكائن ولا يحتقر دوره في الأرض ، ولا يهدر قيمته ، كما أنه لا يرفع هذا الإنسان إلى مقام الألوهية ، ولا يخلع عليه شيئا من خصائصها .
كذلك لا يتصوره ملكا نورانيا شفافا لا يتلبس بمقتضيات التكوين المادي ، ومن ثم لا يستقذر دوافع فطرته ومقتضيات هذا التكوين الفطري .
ومع اعتبار المنهج الإسلامي لإنسانية الإنسان من جميع الوجوه فهو وحده الذي يملك أن يصل به إلى أرفع مستوى ، وأكمل وضع يبلغ إليه الإنسان في أي زمان وفي أي مكان".
يتبع
رد: واقعية التربيه بالاسلام
ثالثا/ واقعية النظرة إلى الحياة والتعامل معها:
ينظر الإسلام إلى الحياة ويتعامل معها بكل واقعية . فهو يقرر أن الدنيا مزرعة للآخرة ؛ لذلك لا ينبغي إهمالها ، ولا يجوز الافتتان بها ، ولا يجوز ـ في نظر الإسلام ـ أن نترك الدنيا للآخرة ، أو نترك الآخرة للدنيا . ولكن ينبغي أن نأخذ من هذه لتلك لتوفيرها وتحصيلها ، فتنمو الحياة وتتجدد ، وتتحقق خلافة الإنسان في هذه الأرض ، ذلك على أن تكون وجهتهم في هذا المتاع هي الآخرة ، فلا ينحرفون عن طريقها ، ولا يشغلون بالمتاع عن تكاليفها .
وهكذا يحقق هذا المنهج التعادل والتناسق في حياة الإنسان ، ويمكنه من الارتقاء الروحي الدائم من خلال حياته الطبيعية المتعادلة ، التي لا حرمان فيها ، ولا إهدار لمقومات الحياة .
قال تعالى : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) .
يقول صاحب الظلال في هذه الآية : في هذا يتمثل اعتدال المنهج الإلهي القويم المنهج الذي يوجه قلب المتعلق بالدنيا إلى الآخرة ، ولا يحرمه أن يأخذ بقسط من المتاع في هذه الحياة ، بل يحضه على هذا ، ويكلفه إياه تكليفا ، كي لا يتزهد الزهد الذي يهمل الحياة ويضعفها .
لقد خلق الله طيبات الحياة ليستمتع بها الناس ، وليعملوا في الأرض وقد صرح القرآن الكريم بإباحة التمتع بطيبات الحياة في غير حرج ولا تثريب قال تعالى : ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ) .
وقال جل شأنه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) .
كما نعى القرآن الكريم على من يشددون على أنفسهم في هذا الشأن فقال سبحانه :
( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) .
كما شرع الإسلام الترويح عن النفوس باللهو المباح ليذهب عنها الكسل والملل .
ولتقبل على العبادة بعد ذلك بانشراح واشتياق ، وقد أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سابق السيدة عائشة رضي الله عنها فسبقته ثم سابقها مرة أخرى ـ بعد أن غشيها اللحم ـ فسبقها ، فقال لها مداعبا : هذه بتلك .
كما أباح النبي صلى الله عليه وسلم الغناء العفيف في الزواج وفي الأعياد إظهارا للبهجة ، وتحقيقا ليسر الإسلام وسماحته .
روي البخاري أن أبا بكر رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جاريتان تغنيان وأراد أن ينهرهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا " . وقال أيضا : " حتى تعلم اليهود أن في ديننا فسحة ، وأني بعثت بحنيفة سمحة " .
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يداعب أصحابه ويمازحهم ويلاطفهم وكان لا يقول إلا حقا ، ومواقفه صلى الله عليه وسلم في ذلك كثيرة وجليلة .
وحول واقعية الإسلام في نظرته للحياة والتعامل معها يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله : " إن الإسلام دين للواقع ، دين للحياة ، دين للحركة ، دين للعمل والنتاج والنماء ، دين تطابق تكاليفه فطرة هذا الإنسان ، بحيث تعمل جميع الطاقات الإنسانية عملها الذي خلقت من أجله ، وفي الوقت ذاته يبلغ الإنسان أقصى كماله البشري المقدر له عن طريق العمل والحركة وتلبية الطاقات والأشواق ، لا كبتها أو كفها عن العمل .
ومن ثم تتحقق صفة " الواقعية " للمنهج الإسلامي الموضوع للحياة البشرية ، ويتسنى للإنسان أن ينطلق بكل طاقاته ، يعمر في هذه الأرض ويغير ، وينمي في موجوداتها ويطور ، ويبدع في عالم المادة ما شاء الله له أن يبدع بدون حواجز أو قيود متناسقا ومتمشيا مع : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) .
يتبع
ينظر الإسلام إلى الحياة ويتعامل معها بكل واقعية . فهو يقرر أن الدنيا مزرعة للآخرة ؛ لذلك لا ينبغي إهمالها ، ولا يجوز الافتتان بها ، ولا يجوز ـ في نظر الإسلام ـ أن نترك الدنيا للآخرة ، أو نترك الآخرة للدنيا . ولكن ينبغي أن نأخذ من هذه لتلك لتوفيرها وتحصيلها ، فتنمو الحياة وتتجدد ، وتتحقق خلافة الإنسان في هذه الأرض ، ذلك على أن تكون وجهتهم في هذا المتاع هي الآخرة ، فلا ينحرفون عن طريقها ، ولا يشغلون بالمتاع عن تكاليفها .
وهكذا يحقق هذا المنهج التعادل والتناسق في حياة الإنسان ، ويمكنه من الارتقاء الروحي الدائم من خلال حياته الطبيعية المتعادلة ، التي لا حرمان فيها ، ولا إهدار لمقومات الحياة .
قال تعالى : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) .
يقول صاحب الظلال في هذه الآية : في هذا يتمثل اعتدال المنهج الإلهي القويم المنهج الذي يوجه قلب المتعلق بالدنيا إلى الآخرة ، ولا يحرمه أن يأخذ بقسط من المتاع في هذه الحياة ، بل يحضه على هذا ، ويكلفه إياه تكليفا ، كي لا يتزهد الزهد الذي يهمل الحياة ويضعفها .
لقد خلق الله طيبات الحياة ليستمتع بها الناس ، وليعملوا في الأرض وقد صرح القرآن الكريم بإباحة التمتع بطيبات الحياة في غير حرج ولا تثريب قال تعالى : ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ) .
وقال جل شأنه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) .
كما نعى القرآن الكريم على من يشددون على أنفسهم في هذا الشأن فقال سبحانه :
( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) .
كما شرع الإسلام الترويح عن النفوس باللهو المباح ليذهب عنها الكسل والملل .
ولتقبل على العبادة بعد ذلك بانشراح واشتياق ، وقد أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سابق السيدة عائشة رضي الله عنها فسبقته ثم سابقها مرة أخرى ـ بعد أن غشيها اللحم ـ فسبقها ، فقال لها مداعبا : هذه بتلك .
كما أباح النبي صلى الله عليه وسلم الغناء العفيف في الزواج وفي الأعياد إظهارا للبهجة ، وتحقيقا ليسر الإسلام وسماحته .
روي البخاري أن أبا بكر رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جاريتان تغنيان وأراد أن ينهرهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا " . وقال أيضا : " حتى تعلم اليهود أن في ديننا فسحة ، وأني بعثت بحنيفة سمحة " .
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يداعب أصحابه ويمازحهم ويلاطفهم وكان لا يقول إلا حقا ، ومواقفه صلى الله عليه وسلم في ذلك كثيرة وجليلة .
وحول واقعية الإسلام في نظرته للحياة والتعامل معها يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله : " إن الإسلام دين للواقع ، دين للحياة ، دين للحركة ، دين للعمل والنتاج والنماء ، دين تطابق تكاليفه فطرة هذا الإنسان ، بحيث تعمل جميع الطاقات الإنسانية عملها الذي خلقت من أجله ، وفي الوقت ذاته يبلغ الإنسان أقصى كماله البشري المقدر له عن طريق العمل والحركة وتلبية الطاقات والأشواق ، لا كبتها أو كفها عن العمل .
ومن ثم تتحقق صفة " الواقعية " للمنهج الإسلامي الموضوع للحياة البشرية ، ويتسنى للإنسان أن ينطلق بكل طاقاته ، يعمر في هذه الأرض ويغير ، وينمي في موجوداتها ويطور ، ويبدع في عالم المادة ما شاء الله له أن يبدع بدون حواجز أو قيود متناسقا ومتمشيا مع : ( فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) .
يتبع
رد: واقعية التربيه بالاسلام
رابعاً/ واقعية الحل والإصلاح :
حلول الإسلام وآراؤه الإصلاحية دائما وأبدا واقعية ومنطقية وميسرة ، فهي ليست حلولا خيالية ، وليست وهما زائلا ، أو سرابا خادعا . والسيرة النبوية زاخرة بالمواقف المدللة على ذلك وأقتطف منها اثنين للتدليل على هذا المعنى ، وفيهما إن شاء الله الكفاية والدلالة .
الموقف الأول : عن أنس رضي الله عنه أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عطاء فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " أما في بيتك شيء ؟ " قال : بلى ، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه ، وقعب نشرب فيه فقال : " ائتني بهما " ، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال : " من يشتري مني هذين ؟ " قال رجل : أنا آخذهما بدرهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يزيد على درهم ؟ " مرتين أو ثلاثا ، فقال رجل : أنا آخذهما بدرهمين . فأعطاهما إياه ، فأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري ، وقال له : " اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك ، واشتر بالآخر قدوما فائتني به " فأتاه به ، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال : " اذهب فاحتطب وبع ، ولا أرينك خمسة عشر يوما " فجاء وقد أصاب عشرة دراهم ، فاشترى ببعضها ثوبا ، وببعضها طعاما ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة سوداء في وجهك يوم القيامة ، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة : لذي فقر مدقع ، أو لذي غرم مفظع ، أو لذي دم موجع " .
ومن دلائل الواقعية في هذه القصة :
ـ أن الحل جاء بسيطا واقعيا فهو من بيئة الرجل وفي متناول يده .
ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعالج مشكلة السائل بالمعونة الوقتية كما يفكر كثيرون .
ـ ولم يعالجها بمجرد الوعظ والتنفير من المسألة كما يصنع آخرون .
ـ ولكنه أخذ بيده في حل مشكلة بنفسه وعلاجــها من واقعة بطريقة ناجحة .
ونحن لا نقول لكل فقير أو متعطل عن العمل عليك بالاحتطاب كما يظن الجهلاء الذين يتصورون الدعوة الإسلامية دعوة للرجوع إلى الوراء وركوب الجمال والحمير في زمن الطائرات والسيارات . فهذه سذاجة في التفكير أو خبث في المقاصد ، ذلك أن الإسلام دين واقعي يتعامل مع الواقع ولا يصطدم به ، ولا يرفضه إلا إذا كان حراما مضرا بالدين والنفس والمجتمع . أما إذا كانت وسيلة مشروعة استدعتها ظروف الحياة بتطورها المستمر فلا بأس بها ، والإسلام أول الداعين لها المتعاملين بها.
الموقف الثاني : روى أبو أمامة أن غلاما شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا نبي الله أتأذن لي في الزنا ، فصاح الناس . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " قربوه ، أدن " فدنا حتى جلس بين يديه فقال النبي : " أتحبه لأمك ؟ " قال : لا ، جعلني الله فداك ، قال : " كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم ، " أتحبه لإبنتك " قال : لا ، جعلني الله فداك ، قال : " كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم . " أتحبه لأختك " ، وزاد ابن عوف حتى ذكر العمة والخالة ، وهو يقول في كل واحدة : لا ، جعلني الله فداك وهو صلى الله عليه وسلم يقول : " كذلك الناس لا يحبونه " فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال : " اللهم طهر قلبه واغفر ذنبه ، وحصن فرجه " . فلم يكن شيء أبغض إليه منه ، يعني الزنا .
وهكذا نلمس عظمة المنهج الإسلامي في الحل والصلاح ، ونلمس قمة الواقعية ومنتهى الرحمة في هذا الحل النبوي لمشكلة هذا الشاب الي يتفجر جسده بالشهوة والرغبة في الزنا . فالنبي صلى الله عليه وسلم يخاطب في الشاب عقله ويثير فيه حميته ، ويرده إلى واقع الفطرة البشرية وطبيعة النفس الإنسانية والمجتمع الإنساني . ويجعل من الشاب نفسه حكما في القضية ويجعله ينطق بلسانه الحكم العادل والرأي الصائب ، ليكون ذلك أدعى إلى الاقتناع والانقياد .
( هذا هو الإسلام ، وهذه هي واقعيته في كل مجالاته ، وفي كل أحواله وفي كل تكليفاته ، وفي كل حلوله . لا يكلف الناس شططا ، ولا يرهقهم من أمرهم عسرا ، ولا يجعل عليهم حرجا ، يحاول أن يرقى بهم ليصعدوا ويرتفعوا ، ولكنه لا يهملهم إذا هبطوا ، إنه يريدهم أصحاء ، أقوياء ، ولكنه إذا مرضوا عالجهم وساعدهم حتى يشفوا وينهضوا . إنه منهج الفطرة . منهج الله ، الذي يتعانق فيه الواقع والمثال ).
منقول
حلول الإسلام وآراؤه الإصلاحية دائما وأبدا واقعية ومنطقية وميسرة ، فهي ليست حلولا خيالية ، وليست وهما زائلا ، أو سرابا خادعا . والسيرة النبوية زاخرة بالمواقف المدللة على ذلك وأقتطف منها اثنين للتدليل على هذا المعنى ، وفيهما إن شاء الله الكفاية والدلالة .
الموقف الأول : عن أنس رضي الله عنه أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عطاء فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " أما في بيتك شيء ؟ " قال : بلى ، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه ، وقعب نشرب فيه فقال : " ائتني بهما " ، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال : " من يشتري مني هذين ؟ " قال رجل : أنا آخذهما بدرهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يزيد على درهم ؟ " مرتين أو ثلاثا ، فقال رجل : أنا آخذهما بدرهمين . فأعطاهما إياه ، فأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري ، وقال له : " اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك ، واشتر بالآخر قدوما فائتني به " فأتاه به ، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال : " اذهب فاحتطب وبع ، ولا أرينك خمسة عشر يوما " فجاء وقد أصاب عشرة دراهم ، فاشترى ببعضها ثوبا ، وببعضها طعاما ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة سوداء في وجهك يوم القيامة ، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة : لذي فقر مدقع ، أو لذي غرم مفظع ، أو لذي دم موجع " .
ومن دلائل الواقعية في هذه القصة :
ـ أن الحل جاء بسيطا واقعيا فهو من بيئة الرجل وفي متناول يده .
ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعالج مشكلة السائل بالمعونة الوقتية كما يفكر كثيرون .
ـ ولم يعالجها بمجرد الوعظ والتنفير من المسألة كما يصنع آخرون .
ـ ولكنه أخذ بيده في حل مشكلة بنفسه وعلاجــها من واقعة بطريقة ناجحة .
ونحن لا نقول لكل فقير أو متعطل عن العمل عليك بالاحتطاب كما يظن الجهلاء الذين يتصورون الدعوة الإسلامية دعوة للرجوع إلى الوراء وركوب الجمال والحمير في زمن الطائرات والسيارات . فهذه سذاجة في التفكير أو خبث في المقاصد ، ذلك أن الإسلام دين واقعي يتعامل مع الواقع ولا يصطدم به ، ولا يرفضه إلا إذا كان حراما مضرا بالدين والنفس والمجتمع . أما إذا كانت وسيلة مشروعة استدعتها ظروف الحياة بتطورها المستمر فلا بأس بها ، والإسلام أول الداعين لها المتعاملين بها.
الموقف الثاني : روى أبو أمامة أن غلاما شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا نبي الله أتأذن لي في الزنا ، فصاح الناس . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " قربوه ، أدن " فدنا حتى جلس بين يديه فقال النبي : " أتحبه لأمك ؟ " قال : لا ، جعلني الله فداك ، قال : " كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم ، " أتحبه لإبنتك " قال : لا ، جعلني الله فداك ، قال : " كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم . " أتحبه لأختك " ، وزاد ابن عوف حتى ذكر العمة والخالة ، وهو يقول في كل واحدة : لا ، جعلني الله فداك وهو صلى الله عليه وسلم يقول : " كذلك الناس لا يحبونه " فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال : " اللهم طهر قلبه واغفر ذنبه ، وحصن فرجه " . فلم يكن شيء أبغض إليه منه ، يعني الزنا .
وهكذا نلمس عظمة المنهج الإسلامي في الحل والصلاح ، ونلمس قمة الواقعية ومنتهى الرحمة في هذا الحل النبوي لمشكلة هذا الشاب الي يتفجر جسده بالشهوة والرغبة في الزنا . فالنبي صلى الله عليه وسلم يخاطب في الشاب عقله ويثير فيه حميته ، ويرده إلى واقع الفطرة البشرية وطبيعة النفس الإنسانية والمجتمع الإنساني . ويجعل من الشاب نفسه حكما في القضية ويجعله ينطق بلسانه الحكم العادل والرأي الصائب ، ليكون ذلك أدعى إلى الاقتناع والانقياد .
( هذا هو الإسلام ، وهذه هي واقعيته في كل مجالاته ، وفي كل أحواله وفي كل تكليفاته ، وفي كل حلوله . لا يكلف الناس شططا ، ولا يرهقهم من أمرهم عسرا ، ولا يجعل عليهم حرجا ، يحاول أن يرقى بهم ليصعدوا ويرتفعوا ، ولكنه لا يهملهم إذا هبطوا ، إنه يريدهم أصحاء ، أقوياء ، ولكنه إذا مرضوا عالجهم وساعدهم حتى يشفوا وينهضوا . إنه منهج الفطرة . منهج الله ، الذي يتعانق فيه الواقع والمثال ).
منقول
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى